شبكة السكك الأوكرانية.. القلب اللوجستي للحرب في مواجهة الدمار
سكك الحديد في أوكرانيا.. من إرث الإمبراطوريات إلى خط المواجهة في الحرب
على مدى قرون، لم تكن سكك الحديد في أوكرانيا مجرد شبكة نقل، بل شكّلت شريان حياة ورمزًا للتحديث، وعصبًا للاقتصاد الذي تشكّل تاريخيًا تحت رايات الإمبراطوريات. لكن هذا الإرث العريق تحوّل اليوم إلى ساحة صراع لوجستي في الحرب المستمرة مع روسيا.
فلم يعد دور السكك الحديدية محصورًا في نقل الركاب والبضائع، بل باتت تحمل الجنود والذخائر إلى الجبهات، وتحافظ على تواصل المدن الكبرى رغم الهجمات المتكررة التي تجاوزت 3700 هجوم منذ أغسطس/آب الماضي.
ويؤكد مستشار وزير الدفاع الأوكراني السابق يوري ساك أن السكك الحديدية أصبحت "شريانًا لوجستيًا حيويًا للجيش الأوكراني"، وهو ما يفسر تكثيف الروس استهدافها لإضعاف قدرات الدفاع الأوكرانية وإرباك الحياة المدنية.
جذور تاريخية تمتد عبر إمبراطوريات
نشأت السكك الحديدية في أوكرانيا خلال القرن التاسع عشر بوصفها جزءًا من مشروع السيطرة الإمبراطورية، إذ ربطت بين الإمبراطورية الروسية والإمبراطورية النمساوية المجرية، لتسهيل نقل الحبوب والمعادن من قلب أوكرانيا إلى الموانئ البلطيقية والأسواق العالمية.
وبالإضافة إلى دورها الاقتصادي، دخلت السكك عمق الثقافة الأوكرانية والسوفياتية. فقد تحولت في الحقبة السوفياتية إلى رمز للعمل الجماعي والتضحية، وبرزت في الأدب الذي مجّد البنية التحتية بوصفها ركيزة للمشروع الاشتراكي، لترسّخ نفسها جزءًا من الهوية الوطنية.
منظومة لوجستية في مرمى النار
منذ بدء الغزو الروسي في فبراير/شباط 2022، أصبحت السكك الحديدية محورًا لوجستيًا رئيسيًا: تنقل الجنود، وتدعم الإمدادات، وتحافظ على الربط بين المدن. لكن هذا الدور جعلها هدفًا عسكريًا مباشرًا.
وفي إحدى الغارات، استُهدفت محطة قطار في منطقة تشيرنيغيف، قبل أن تُصلَح باستخدام قاطرات احتياطية تعمل بالديزل. وتشير التقارير الرسمية إلى أن نحو 10 آلاف كيلومتر من الشبكة قد تضررت أو دُمّرت.
وبرغم الخسائر، تواصل شركة السكك الأوكرانية "أوكرزاليزنيتسا" جهود الترميم، إذ أعادت تشغيل أكثر من 3600 كيلومتر من الخطوط و 41 محطة، لتبقى قادرة على نقل الثروات الزراعية والصناعية ودعم الاقتصاد.
رمزية السكة وحديدها
استهداف خطوط القطار الأوكرانية ليس مجرد تدمير للبنى التحتية، بل ضربٌ لرمز تاريخي. فهذه الشبكة التي وُلدت في ظل الإمبراطوريات، ونمت في العصر السوفياتي، أصبحت اليوم قلب المقاومة الأوكرانية.
ومن منظور كييف، يمثل ضرب السكك محاولة لشل "شريان الحياة" الذي يربط الجيش بالمدن، ويضمن استمرار الحركة المدنية. أما من منظور موسكو، فإن تعطيل السكك يهدف إلى خنق الجبهة اللوجستية الأوكرانية، وبث الفوضى في حركة الجنود والذخائر.
ورغم كل ذلك، تواصل السلطات الأوكرانية إصلاح ما يتعرض للتدمير. ففي بلد يعيش حربًا مفتوحة، باتت السكك الحديدية رمزًا للصمود بقدر ما هي وسيلة للنقل إرثًا من الماضي وأداة للبقاء في الحاضر.
المصدر:الجزيرة

تعليقات
إرسال تعليق